قال: [من ألزمته القيام مع أسمائي وصفاتي، ألزمته الأدب].
يعني: أن العبد إذا التزم معرفة الأسماء والصفات كما أخبر الله ووصف بها نفسه، فهو في منزلة المتأدب مع الله سبحانه وتعالى، وكذلك من ألزمه الله القيام بها. يعني: شهودها والعمل بمقتضاها، فقد ألزمه الأدب معه سبحانه، ثم قال: "ومن كشفت له حقيقة ذاتي، ألزمته العطب" وقولهم: (إن الله يقول). لا يقصدون أنه قاله سبحانه وتعالى نصاً، ولكن يعبرون به عن حقيقة كأن الله تعالى قالها، حملاً للكلام على أحسن محامله.
فقوله: [من كشفت له حقيقة ذاتي ألزمته العطب]. فحواه: فلا تطلبوا ذاتي؛ لأنه إذا كشفت ذاتي لأحد فقد عطب، والمصنف رحمه الله تلطف وأتى بشاهد حتى لا يعترض عليه في هذه العبارة فقال: [ويشهد لهذا: أنه سبحانه لما كشف للجبل عن ذاته، ساخ الجبل وتدكدك ولم يثبت على عظمة الذات] يعني: لو أن الله سبحانه وتعالى تجلى لموسى عليه السلام كما طلب حيث قال: (( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ))[الأعراف:143] لاندك وفني؛ لكنه سبحانه تجلى للجبل عن ذاته فتدكدك الجبل وفني، وخر موسى صعقاً مع أن التجلي لم يكن له، فكيف لو كان له؟ إذاً: لهلك ومات!
والواقع أن الله سبحانه وتعالى لم يكشف لأحد عن ذاته على الإطلاق، وكما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {إن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت}، وهذا في الدنيا، فلذلك لا يمكن لأحد من البشر على الإطلاق أن يتجلى له الله سبحانه وتعالى، ويكشف له عن حقيقة ذاته، وهم إنما ذكروا ذلك في مقام التأدب مع الله، مع أن الأصل أنه إذا قيل: قال الله، أن يكون حديثاً قدسياً، لكنهم يتساهلون في ذلك.